وبالرغم مما يوصف به لغة العرب من غنىّ وغزارة زادتها لغة القرآن فهي -مع ذلك- أضيق سعة من المعارف الالهية، وأقصر استيعابا بها، ولذلك ظهرت في القرآن آيات محكمات هن أمالكتاب أو آيات متشابهات نشأت من ضيق اللغة، وسعة معاني القرآن، كما في قوله تعالى:
(الرحمن على العرش الستوى) 1 و
(يد الله فوق أيديهم) 2 لو لا أن يراد بذلك الاستيلاء والقدرة، وإلاّ لأوهمت التجسيم في ظاهر الآية.
وعلى ذكر لغة الهداية في تفسير قوله تعالى:
(اهدنا الصراط المستقيم) 3 ينتقل المفسر الشهيد من المعنى اللغوي الى المعنى القرآني بقوله: فان الهداية من الله على أقسام.
4
الاولى: الهداية العامة التكوينية، وهي التي يعبر عنها بالفطرة، والتي يمنحها الله العبد بعد خلقه.
ومنها قوله تعالى:
(ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه قم هدى) 5.
الثانية: الهداية العامة التشريعية، بارسال الرسل، وبعث الأنبياء، وإبلاغ العبد بالأوامر والنواهي، ومنها قوله تعالى:
(تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين) 6.
الثالثة: الهداية الخاصة، التي يمنحها الله لبعض عبيده، وبها يفضلهم على غيرهم.
ومنها قوله تعالى:
(إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) 7.
وهكذا لم يركز على المعنى اللغوي، من أمثال ما نص عليه اللغويون: (هداه الطريق وهداه الى الطريق وللطريق أي بيّنه له، وعرّفه به) لانه يعبر عن مجرد الطريق المنشود.
بل اعتمد في تفسيره على لغة القرآن في هذه الكلمة القرآنية.
_______________________________
(1)- طه/5.
(2)- الفتح/10.
(3)- الفاتحة/6.
(4)- راجع ص 38-39.
(5)- طه/50.
(6)- لقمان/3.
(7)- الكهف/13.