معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

الشهيد السيد محمد تقي

 

taghi-khoei

 

نبذة من حياته

ولد العلامة السيد محمد تقي الخوئي (قده) في التاسع من محرم الحرام سنة ١٣٧٨ هـ الموافق ٢٧/٧/١٩٥٨ م،في النجف الأشرف مدينة العلم والخير والعطاء، حيث مثوى باب علم النبي(ص) الامام علي بن أبي طالب(ع)، في أسرة شريفة من سلاة النبي الكريم(ص)، ذو تاريخ علمي وفقهي طويل، غنية عن التعريف فقد نشأ في بيت الده وعني بتربيته الامام السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي(قده)، الذي أراد لولده أن يكون علما بارزا من أعلام الامة الاسلامية، حيث ترسم فيه الطموح وحب الخير والعلم والفضيلة، فمنحه الكثير من عطفه ورعايته وإرشاداته، كما منحه في ما بعد الكثير من ثقته، وهو مدرسته الاولى. وورث من والده العظيم النباهة والسؤدد، كما غذّته والدته الطاهرة من إخلاصها وورعها، فاجتمعت له الخصال الحميدة التي صنعت منه مثال الطالب المهذب المجد، ثم الاستاذ والعالم المجتهد الورع، ومن بعد ذلك رائدا للخدمات الاجتماعية والثقافية والخيرية، في زمن صعب كثر فيه المتقاعسون عن خدمة الجامعة العلمية الدينية في النجف الاشرف، وقل فيه المخلصون للدين وخدمة الناس والوطن. 

 

دراسته

تلمذ الشهيد في مدارس النجف الاكاديمية، والتحق مبكرا بالحوزات العلمية الدينية، ونهل من المنبر الصافي في مدرسة " دار الحكمة " التي أنشئت بأمر المرجع الديني الراحل الامام الحكيم رضوان الله تعالى عليه، حيث توفرت فيها المكانة العلمية بوجود أساتذة بارعين، وأجواء التحصيل والدرس والتعلم، وتخرّج منها بتفوق ملتحقا بحلقات دروس السطوح في الحوزة، وتلمذ علي يد أساتذتها الافاضل، ومنهم سماحة المغفور له آية الله السيد عبد الصاحب الحكيم (قده) الذي خصه بوافر عنايته إذ وجد فيه الكفاءة والمواهب الخلاّقة، فانصقلت شخصيته العلمية توجيهاً وأداءً، حتى أكمل دروس المتون العليا، والتحق بحلقات بحوث والده في مسجد الخضراء، حيث كان الامام يلقي دروسه، فنهل من ذلك المنبع الفياض، وأخذ يدوّن محاضرات الوالد الاستاذ ويعرضها عليه ليبدي ملاحظاته عليها وسرعان ما عرف الطالب الجديد في تلك الاوساط، بجده واجتهاده، وتفوقه على أقرانه، وبمثابرته ودقته وتمحيصه في قبول الآراء أو ردّها، وظهرت قابلياته واشتهر صيته، حتى أصبح أستاذاً بارزاً يقصد مجلس درسه أعداد من أفاضل الطلبة للاستفادة منه، حيث بدء الشهيد بالقاء الدروس لطلاب مرحلة السطوح العليا في حوزة والده في مدرسة " دارالعلم  ".

 

مؤلفاته

ألف الشهيد في الحقول المختلفة من المعارف الاسلامية كتبا عدة، وقد طبعت بعضا منها تقريراً وشروحاً لمحاضرات والده الامام في سلسلة كتب " مباني العروة الوثقى "  في النجف الأشرف عام ١٩٨٤ م، وهي كتاب النكاح والمساقاة، والمضاربة، كما صدر له كتاب " الشروط والالتزامات التبعية في العقود " ثلاثة أجزاء في مجلدين عن دار المؤرخ العربي في بيروت ١٩٩٣ م، وقد طبع له بعد استشهاده رحمه الله تعالي، كتاب في تفسير بعنوان " قبس من تفسير القرآن " في جزء واحد عن دارالتوحيد للنشر في مدينة قم المقدسة، كما وله عدة كتب مخطوطة لم تطبع بعد.
و في مقدمة كتابه " الشروط " يشير الشهيد الى الاوضاع العسيرة التي أحاطت بالنجف، والظروف المأساوية التي عاشها العراق إبان الانتفاضة الشعبانية ولا زال، ووضعه الخاص ووضع الأسر العلمية، والحوزة الدينية عموما في تلك الايام العصيبة، عندما خضع مع والده المعظم للاقامة الجبرية في منزل الامام في الكوفة، وأكثر من ماءة من رجال الحوزة وأهله ومساعدي والده، مجهولي المصير منذ اعتقالهم من قبل السلطات والي اليوم فيقول:
" كنت أطمع ومنذ زمن ليس بالقصير في أن أكتب بحثا في الشرط يتضمن دراسة مفهومه وحدوده ويحدد ضوابطه ومعالمه، ويجمع شتات مسائله وفروعه المنتشرة في البواب الفقهية المخلتفة.
و بالفعل فقد بدأت بجمع الملاحظات وكتابة بعض رؤوس النقاط، الا أن انشغالي التام في السنين الاخيرة بادارة مكتب سيدنا الامام الراحل رضوان الله تعالى عليه بكل همومه ومصاعبه، حال دون بلوغ الهدف وتحقيق الامل، وبقيت وريقاتي التي جمعتها أسيرة الخزائن والرفوف، حتي ضاع منها ما ضاع وتلف منها ما تلف، وكاد ينقطع مني الامل في التوفيق لذلك، الى أن شاءت الاقدار أن أحطي بتوفيق خدمة سيدي الامام الوالد قدس سره، إبان محنته وأيام اقامته القهرية في الكوفة، حيث كان لي شرف خدمته وتوفيق رفقته وسعادة ملازمته.
ففي تلك الايام ورغم صعوبة الوضع وشدة الحال وقساوة الزمان وتوتر الاعصاب، خطر ببالي اللجوء الى الكتابة عساها تكون سلوة لي في بعض المصاب، فتوكلت على الله تعالي وأخذت القلم لأتابع بحثي الذي قطعته منذ سنين، وكانت الحصيلة هذه الدراسة التي بين يديك.
و اذا كانت الظروف والاجواء حين الكتابة كلها غير ملائمة واستثنائية، وكفي في ذلك أني لم أكن أملك من المصادر غير ما كانت تحتويه مكتبة سيدي الامام الوالد قدس سره الخاصة، إلا أن ما حظيت به من الدعم والتأييد من لدن سماحته رحمه الله تعالى، حيث خصني بالكثير من وقته الشريف مصغيا وبكل عناية وهدوء الى ما يخطر ببال ولده الصغير من توهم او اشكال، ليبدأ بعد ذلك ورغم ضعف مزاجه وتعبه، إرشاده الى الصواب وهدايته الى الصحيح، خير محفز لي على المثابرة والاستمرار.
و كم كنت أتمني التوفيق لأضع ثمار غرسه بين يديه المباركتين، إلا ان السعادة لم تكن تحالفني هذه المرة، حيث لبّي سيدي الامام رحمه الله تعالى نداء ربه الكريم مستريحا من هم الدنيا وغمها، قبل أن يرى الكتاب المنور وقبل أن تخرج ملازمه من الطبع.
و ها أنا ذا أقدم على طبع الكتاب لا يسعني إلا أن أرفع هذا الجهد المتواضع الى روحه الطاهرة والى روح المغفور لها والدتي الكريمة معلمتي الاولى في الحياة، عسى أن يحظى بقبولهما وأحظى برصاهما، والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل ".

 

شهاداته العلمية

ورغم كل تلك الظروف الصعبة والخطرة التي كان يعيشها العلامة الشهيد السيد محمد تقي في العراق، إلا أنه آثر البقاء الى جانب المرجع الأعلى والده مساهما في إدارة شؤون الحوزة العلمية وشؤون المؤسسات العلمية والخيرية التي أسسها الامام، مع متابعته الدؤوبة وجهده المتواصل لتنمية قابلياته العلمية، واستمراره في التحصيل والتعليم، متعلما ومعلما، مجدا مجتهدا، وقد نال شهادات علمية عظيمة من لدن والده الامام وآيات الله العظام في الحوزة العلمية في النجف الاشرف، كما يتبين ذلك مما جاء في تقريض سماحة الامام لكتاب ‘‘ مباني العروة الوثقى ‘‘ في مقدمة تقريرات بحوثه لكتاب " المساقاة " و هو خير ما يشهد به الوالد في حق ولده وتلميذه، حيث كتب له:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعترته الطيبين وبعد،فقد لا حظت شطرا مما كتبه ولدى وقرة عيني العزيز السيد محمد تقي حفظه الله وبلغه مناه، تقريرا لأبحاثي الفقهية، فوجدته حسن الاسلوب وجميل التعبير، وسطا بين الايجاز والاطنا، كافيا وافيا بالمراد، أسأل الله المولى جلّ شأنه أن يبلغ به مقصده ويتم له مرامه، وأن يجعله علما من أعلام الدين وحافظا لشريعة سيد المرسلين، فانه وليّ التوفيق.

ابوالقاسم الموسوي الخوئي

٥ جمادي الاولى ١٤٠٤ هـ  

 

وللشهيد إجازة في الاجتهاد والرواية من سماحة أية الله العظمي السيد علي الحسيني البهشتي دام ظله، هذا نصّها:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الانبياء ممد وآله الوصياء الميامين ما دامت السماوات والارضون، واللعن الدائم على أعدائهم شر الخلق أجمعين الى يوم يبعثون.أما بعد فان من منن الله تعالى على خلقه وسننه لعباده، أن إدّخر لهم بفضله مفاخر من ذوي النهى والفضيلة، يرشدونهم الى استكمال الرقى والحظوظ النبيلة،  ما تعاقبوا في الحياة وتناوبوا في الدعوة الى سبل الحسنى والنجاة، الذين منهم العميد السعيد والشريف السديد ذو المفاخر العالية والمحاضر الغالية العلامة الهمام حجة الاسلام وسليل خير الانام الحاج السيد محمد تقي، أبو جواد الجاد، وأخو الاماثل الامجاد، فرخ نادرة الدهر وفرادة العصر في مجالات الفقه والاصول وزعامة الدين المقبول، آية الله العظمى السيد المسدد الخوئي طاب مثواه الزكي.لقد نشأ نشأته السامية ونهضته النامية، في رعاية أب كهذا العبقري والعلامة الأبي، حتى أدرك دورات من محاضراته العالية الغالية، الممنوحة لجامعة أفاضل الغري الثري، مضافة الى فوائد من نوادر بحوث أخرى بما هو بها حري، فسمع وجمع وحقق وطبع.و قد شهد بحفاوته لما سمع وحقق، ضمن تقريره المشوّق  على تلك الزبر الرفيعة التي نشرت في الجامعة المنيعة، تفاد قي معاهد الدروس وتشاد في مشاهد البحوث، فيرجى من دعوات ذلك الاب البار به وبالشاغلين في الاقطار، أن يبلغ في الحماية وجلال الزعامة مبلغ الأب العبقري الامثل طاب ودام ذكره الافضل، لما فيه من النبوغ والجدارة وجموع الفضل والحضارة.و قد حسن ظنه بي، بأني أهل للشهادة بشيء غير خاف فيه، مما يحوزه من القريحة والافادة بالاستدلال والاجادة، مع إعتقادي على نفسي أني بعيد عن دون ذلك الواقع، فضلا عمّا ملاكه في المعاهد من صلوح بيّن للشاهد، ولكن هو دام علاه ممن لايخفى على من يناظره أو ينظر الى ما نشره من أهل الخبرة، أنه من ذوي القريحة العصماء التي يستفرغ منها الفروع من أصولها لذوي الآراء ويجتهدون.كما أنه دامت معالمه وفاضت مغانمه، رغب في أن أجيز له بالرواية عنّي ما صحت لي روايته من مشايخ الاجازة، كما هو الدأب في مدارج الافاضة، فقد أجزت له دام عمره وفيضه رواية ما تبركت بالاستجازة عنهم فأجازوني الذين منهمه الزعيم الاوحد أبوه آية الله العظمى وحجة الله الكبرى في الحياة وبعد الوفاة، منقّح أحوال الرواة في دورة من الاجزاء السميكة تسمى بـ ‘‘ معجم رجال الحديث ‘‘ أعطى أجره بغير حساب، وغيره ممن لي بهم الاستناد.و أوصيه وإن هو أرفع من أن أوصيه، لكن تبعا للماضين، أن يعتمد على التقوى والدعوة اليها، والأخذ بالاحتياط كما هو العامل والآخذ به، وأرجو له أن يصان من كل سوء وهوان بفضل ربنا المستعان، وأن لاينساني من صالح دعواته التي يذكر بها الاخوان طابت لهم وله ولنا الدنيا والاخرة، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.حرره بيمناه العاثرة والداثرة، علي الحسيني المدعو »بهشتي« في الثالث والعشرين من ذي الحجة المباركة في النجف الاشرف، كما أرجو العفو عما غفلت، والسلام عليه وعلى والديه وذويه الاطايب أجمعين ورحمة الله وبركاته.

النجف الاشرف ١٤١٣ هـ.

العبد العاصي الراجي عفو ربه

علي الحسيني البهشتي  

 

كما وللشهيد إجازة في التصدي للشؤون الشرعية، وتحويل أجازته الي إخوانه أعضاء المؤسسة من قبل سماحة أية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله، هذا نصّه:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين وبعد.فلا يخفى على إخواننا المؤمنين أيدهم الله تعالى أن فضيلة حجة الاسلام السيد محمدتقي الخوئي دام مجده نجل سيدنا الاستاذ المعظم آية الله العظمي السيد الخوئي قدس سره الشريف، مجاز ومأذون من قبلنا في التصدي للامور الحسبية المنوطة باذن الحاكم الشرعي.كما وقد أجزناه في قبض الحقوق الشرعرية كمحق الامام (ع) وحق السادة زادهم الله شرفا، والمظالم والنذورات المطلقة والخيرات وغيرها من قبلنا، وصرف النصف منها في مشاريع مؤسسة المرحوم آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره الخيرية، وإيصال الباقي الينا واستلام وصلنا بتمام المبلغ وايصاله الى أرباب الحقوق، كما خولناه بالمصالحة في المشكوكات بنسبة الشك والاحتمال وتأجيل أداء الحق وتقسيطه عند عدم إمكان الدفع جملة بما لا يؤدي الى التسامح والاهمال.و قد أجزنا له تخويل أجازته هذه الى إخوانه القائمين على إدارة مؤسسة المرحوم آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره الخيرية، وفق ما تحتّمه المصلحة وتقتضيه الشؤون الادارية للمؤسسة.فالمأمول من إخواننا المؤمنين دام عزهم تبجيله وتكريمه والاصغاء الى نصائحه وإرشاداته الدينية، كما أوصيه سلمه الله تعالى برعاية الاحتياط فانه طريق النجاة، والسلام عليه وعلى جميع إخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته.                                                                               

النجف الاشرف

في ١٧/ صفر الخير / ١٤١٣ هـ

علي الحسيني السيستاني 

 

وبالفعل فقد كان الشهيد السعيد (قده) يعد ذخرا للحوزة العلمية في النجف الاشرف، وأملا لمستقبلها، لما تميز به من ثقة الفطاحل من علمائها، ولما عرف عنه من ذكاء عميق وقدرة على التحقيق والكتابة والعمل،  وإذا أضفنا الى ذلك ملامح قدراته العقلية والمكانة الاجتماعية التي احتلها في أوساط المجتمع العراقي، خصوصا إبان وبعد انتفاضة شعبان المباركة ودوره الفعال فيها، يتضح بجلاء مدى الخشية التي كانت تساور النظام الحاكم الجائر في العراق من تطور هذه الشخصية الفذة.و كان الشهيد مع ما تحمله من المتاعب والمصاعب، لا يساوم على دور المؤسسة الاجتماعي والاعلامى، في فضح الظلم الذي يتعرض له أبناء الشيعة وعلمائهم في العراق، رغم انه كان يعلم بمدى غضب أزلام النظام العراقي عليه، وكان يتوقع ما وقع له، حيث أشار الى الخطر المحدق به مرات عديدة، ومنها في آخر زيارة له الى لندن قبيل اغتياله، وقد استطاع من خلال مركزه كأمين عام للمؤسسة، أن يوصلها الي ما هي عليه، مقدما في سبيلها دمه الزكي الطاهر رخيصا كآخر ثمن لخدمة دينه وأمّته.إلا أن مسؤولياته اتجاه الحوزة العلمية وفي إدارة الشؤون الاجتماعية، خصوصا في ظل ما كانت تمر به الحوزة العلمية في النجف الاشرف من ظروف صعبة بعد أحداث الانتفاضة، جعلته يقرر العودة الى العراق والبقاء قرب إخوانه، ليعيش المآساة معهم، ويواسيهم في محنتهم، ويؤدي واجبه تجاههم، وتجاه الأسر الكثيرة التي بقيت من دون معيل، رغم ذلك الخطر الذي أودى بحياته بحادث اغتيال مدبر على طريق كربلاء – النجف.

 

خدماته الاجتماعية

كان مكتب سماحة المرجع الاعلى الامام الخوئي (قده)، يدار من قبل نخبة من المساعدين من ذوي القابليات الفذة والعلماء الافضال، يؤازرون أستاذهم ومرجعهم في القيام بأعباء المرجعية الثقلية.
فمجال إدارة المكتب وتنفيذ الخدمات الاجتماعية وتفقد شؤون الامة ورعايتها، كان يتم باشراف نجله الاكبر سماحة حجة الاسلام والمسلمين المغفور له السيد جمال الدين الخوئي(قده) ولسنوات عدة وبعد إضطرار السيد جمال الدين الى مغادرة العراق الى سوريا إثر المضايقات المستمرة من قبل النظام الغاشم، إنبرى العلامة الشهيد السيد محمد تقي لسد دلك الفراغ فقام بدوره أحسن قيام.
ومنذ توليه إدارة شؤون المكتب أخذ الفقيد على عاتقه أمر تطوير الخدمات الاجتماعية والرفع من مستواها، وانشاء المشاريع الكثيرة للاغاثة والرعاية، مع السهر على نجاحها، وتفقد العوائل التي فقد كفيلها، والشد من عضدها لمواجهة الاوضاع المأساوية الصعبة التي يمر بها العراق.
كما قام بالاشراف على تأسيس المعاهد العلمية، والتأكد من حسن سيرها وتأمين حاجاتها، ولا يسع المجال لحصر المبادرات المجيدة والكثيرة في هذا المختصر، الا أن المعروف من أن الفقيد قام بعبء رعاية الأسر الجليلة من آل الحكيم وآل بحر العلوم وغيرها من العوائل الكريمة والأسر المحترمة وآلاف الفقراء والمحتاجين، حين زج برجالها في سجون الطاغية، فكان الفقيد هو الممثل الشخصي لوالده الامام الراحل في التفقد والرعاية على نحو يليق بشأنهم وكرامتهم.
وفي أعقاب الانتفاضة الشعبانية وما جرى يومها – وما زال يجرى – على الكثير من العوائل الكريمة، لا سيما أساتذة وطلاب الحوزة العلمية الذين اعتقلهم النظام في بغداد، أخذ الفقيد على عاتقه مهمة رعايتهم وتفقد أحوالهم وتلبية حاجاتهم ما وسعته الظروف، رغم مشاغله ومشاكله الكثيرة وسخط النظام عليه جراء هذه الخدمات الانسانية.

 

دوره في الانتفاضة الشعبانية

وكما هو معروف فان فقيدنا الغالي كان في قلب الاحداث التي مرت بالعراق في خضم إنتفاضة الشعب العراقي ضد جرائم النظام، لما اندلعت نيران الانتفاضة في الجنوب وسيطرت على مدنها، الواحدة تلو الاخرى فكانت مدينة البصرة قد أشعلت فتيل الانتفاضة، ومدينة النجف الاشرف صعّدت ثورتها بعد أن تحررت تماما من براثن الطغمة الحاكمة وعصاباتها، خلال أقل من 24 ساعة من المطاردة والمبارزة من قبل رجال صدوقا ما عاهدوا الله عليه، ورسموا حريتهم بخطوط دم الشهداء الابرار، وأصبحت المدينة حرة بعد الساعة الثالثة من ظهر يوم الاثنين الموافق ٤ آذار (مارس) ١٩٩١ م.
وغمرت البهجة والغبطة قلوب النجفيين بعد ثأرهم لحريتهم التي سلبت، وشخصيتهم التي مسحت، ومقدساتهم التي انتهكت مذ زمن طويل، لكن شحوبا محيرا بدأ يظهر على وجوههم حول مستبقل مجهول بعد انسحاب السلطات التنفيذية للطغمة الحاكمة أمام جهاد فئة قليلة من الشباب المؤمن، تكاثرت وتنامت خلال الساعات الاولى للانتقاضة حتى عمّت النجف الاشرف ودخلت معظم بيوتاتها.
في اليوم التالي الموافق ٥ آذار (مارس) ١٩٩١، كانت الاخبار ترد في كل دقيقة وكل ساعة عن سقوط مدن أخرى قريبة وبعيدة، غير أن الابتسامة لم تدم طويلا وبدأ الوجوم بالظهور على الوجود، بسبب عوامل كثيرة لا مجال لذكرها.
أصبح النجفيون في حيرة من أمرهم وصاروا يجتمعون للبحث عن مخرج بعد غياب السلطة التنفيذية وانفلات الامن في عموم أنحاء المدينة المقدسة، وتصاعد الامر ليعم المدن والمحافظات المحررة الاخرى القريبة والبعيدة عن النجف، حتى توجه كبار شخصيات المدينة  ووجهاؤهم وشيوخ العشائر وآخرين الى سماحة آيةالله العظمى السيد ابوالقاسم الموسوى الخوئي رضوان الله تعالي عليه، ليشرف بسلطته الروحية، وما يحلته من مقام، ولحقيقة مكانته المعروفة، وموقعه في نفوس الناس، على استتاب الامن واستقرار الاوضاع.
وتعاظمت أعداد الوافدين عليه تطالبه بالحفاظ على الارواح وممتلكات الناس، عندها أمر سماحته بتشكيل لجنة من تسعة أشخاص للقيام بادارة شؤون البلاد، كان حجة الاسلام والمسلمين السيد محمد تقي الخوئي نجل الامام الراحل أحد أعضائها، حيث قام بدور ريادي في الحفاظ على ممتلكات الناس وأرواحهم.
حتى وقت اعتقال الامام مع جميع مساعديه وعلماء الجامعة العلمية في النجف الاشرف، من منزل نجله الشهيد الذي كان مقرا للقيادة الدينية والعسكرية،  وأقتيد الشهيد الى مقابلة الطاغية صدام مع والده الامام رضوان الله تعالى عليهما، لكن الضجة العالمية والاستنكارات الدولية والدينية والشعبية، اضطرت النظام للافراج عنهما بعد ثلاثة ايام، إلا أنه ما كان لتحمل وجودهما، فدبر لكل واحد منهما بترتيب خطة إجرامية نكراء وقضى عليهما، فرضوان الله تعالي على روحيهما.

 

أسفاره

مثل الفقيد الغالي والده سماحة الامام الخوئي، في كثير من المناسبات الدينية والاجتماعية على المستويات الشعبية والرسمية، في داخل العراق وخارجه وبالخصوص بعثاث الحج الدينية التي كانت تفد الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان بتولى متابعة شؤون الطائفة في كل أنحاء العالم، ويقدم الخدمات للمؤمنين ولمقلدي سماحة المرجع، ويوفر التسهيلات لهم في أمورهم الدينية والدنيوية.
فقد قام بسفرات تفقدية كثيرة الى مختلف بلدان العالم مثل الهند وباكستان وتايلند وماليزيا وبريطانيا وامريكا وغيرها، حيث كان يطلع خلالها على المشاريع الثقافية والاجتماعية والدينية، ويبحث مع القائمين عليها في كيفية مساهمة مكتب سماحة المرجع الاعلى في سد الثغرات وتسهيل الصعوبات.

 

العمل المؤسساتي

وفي احدي سفراته الى بريطانيا نضجت لدين فكرة تأسيس مؤسسة اسلامية على مستوى عالمي، لتقديم الخدمات للمسلمين عامة ولابناء الطائفة الشيعية خاصة، وبعد جولات مفصلة من المشاورات مع جمع من العلماء، والشخصيات، ممن يتميزون بالنزاهة والتقوى والخبرة والاطلاع في مثل هذه الاعمال، تم التخطيط لانشاء ‘‘مؤسسة الامام الخوئي الخيرية ‘‘ وبعد عرض المشروع بتفاصيله على سماحة الامام الخوئي رضوان الله تعالى عليه، وبعد موافقة سماحته ومباركته وتوجيهاته القيمة، ووضعه الخطوط العريضة لقانونها الاساس ونظامها الداخلي، بعد التشاور مع عدد من أهل الخبرة والاطلاع في هذا المجال، والبحث في العقبات المنظورة والمستقبلية المحتملة، خصوصا وأن الفكرة لم يسبق لها نظير في المرجعايت السابقة، تم الاعلان عن إنشاء المؤسسة تحت إشراف المرجع الاعلى وعيّن العلامة السيد محمد تقي الخوئي أمينا عاما لها وبقي في هذا المنصب حتى استشهاده رضوان الله تعالى عليه.
و كانت مساهماته في مراحل التأسيس والتنفيذ ودوره الريادي في تفقد كل صغيرة وكبيرة من شؤونها، هو العامل الاهم والفعال الذي أوصل المؤسسة لما هي عليه الآن من نجاح ومكانة يشهد لها الجميع.
و رغم المنعطفات الخطيرة التي مرت بها المؤسسة ومشاريعها، ورغم الظروف الصعبة التي أحاطت بها، لاسميا بعد رحيل والده، فان الجهود العظيمة للفقيد الغالي أثمرت في الحفاظ على استمرار المؤسسة وتطورها في تقديم الخدمات التعليمية والثقافية والدينية  والاجتماعية، حيث احتلت موقعها الطبيعي بين المؤسسات الخيرية العالمية، وانتشرت أجهزتها التعليمية والدينية والثقافية، لتعم الكثير من بقاع الارض وأصبحت على المستوى الاعلامي ذات كلمة مسموعة في الاندية والمحافل الدولية دفاعا عن حقوق الانسان المسلم الشيعي وتراثه وعقيدته.
و كان الفقيد، رغم الفاصل الجغرافي والضغوط التي تعرض لها من قبل النظام العراقي، يتفقد أحوال المؤسسة وأمورها ويتابع نشاطاتها أولا بأول.

 

شهادته

بالاضافة الى ما كان يقوم به الشهيد من رعاية لشؤون المؤسسة، واهتمام بأحوال الشعب العراقي المنهك، والاصرار المستميت على المطالبة باطلاق سراح المعتقلين، والعمل المستمر في الدفاع عن حقوق أبناء الطائفة في شتى المجالات، كان أيضا يقوم بخدمة المرجع الاعلى سماحة آية الله العظمي السيد علي الحسيني السيستاني، لا سميا بعد أن تصدى سماحته شؤون المرجعية العليا.

فبعد وفاة والده سماحة الامام الخوئي (قده سره) تعاظم دور الفقيد برعايته لشؤون المؤسسة في الخارج والسهر على تطورها، الا ان الاصعب كان دوره في رعاية شؤون الحوزة العلمية في النجف الاشرف ورجالها، والاهتمام بآلاف العوائل التي فقدت كفيلها نتيجة القتل أو السجن او التشريد وما الى ذلك من مصائب.
كان النظام تنبه الى المركز الحساس الذي تسنمه الفقيد والى نشاطه اللولبي حتى قبل رحيل والده، فتعرض الى الكثير من المضايقات التي ازدادت حدة، وازداد معها عنف التهديدات لاسيما في الآونة الخيرة، حيث استدعي مرارا للمثول أمام الطاغية وأجهزته القمعية، حيث كان يتلقى تحذيرات وتهديدات من مواصلة نشاطاته في كل مرة يستدعى فيه الى بغداد للاستجواب من قبل رأس النظام الفاسد مباشرة، وأخرى من قبل أخيه المجرم " سبعاوي، مدير الامن العام " في حينه، وغيرهما من أزلام النظام، للتوقف عن نشاطاته المباشرة وطلبه المستمر من المسؤولين بالافراج عن المعتقلين والتخفيف من ضغوطهم على الحوزة ورجالها، وكذلك بالضغط على المؤسسة للتوقف عن نشاطاتها في المحافل الدولية لفضح جرائم النظام والمطالبة بحقوق أبناء الطائفة لكن الفقيد لم يكن ليعبأ بتهديدات السلطة التي اشتدت في الآونة الاخيرة، واستمر بالعمل وكان يحث العاملين في المؤسسة وجميع إخوانه المؤمنين للعمل الجاد وعدم اليأس من المصاعب والمتاعب في خدمة الدين والاهل ونتيجة للعمل الدؤوب الذي قامت به المؤسسة بدأت البرقيات من قبل الشخصيات والمؤسسات الاسلامية والدولية ترد ضاغطة على نظام بغداد مطالبة بالافراج عن المعتقلين وإعطاء الحوزة العلمية الحرية في القيام بدورها العلمي والديني والحضاري، والمحافظة على استقلاليتها، كما طلبت بضمان سلامة العلماء ورجال الدين، وصدرت عن الكثير من هذه الشخصيات والمؤسسات والمنظمات الانسانية والحقوقية والدولية، وفي مقدمتها مجلس الامن الدولي بيانات بهذا الخصوص. لذا لم يجرأ النظام العراقي ولفترة طويلة على اعتقال السيد الشهيد أو مسه بأذى مباشر، الى أن دبر النظام طريقة أخرى مألوفة له، تمثلت في حادث تصادم مفتعل لسيارة الشهيد وفي شارع عريض ذي اتجاهين.
وكان الشهيد قد تقدم قبل ستة أسابيع من اغتياله بطلب رخصة للسفر الى خارج العراق، الا أن طلبه رفض بعنف، واستدعاه محافظ النجف قبل أسبوع واحد من اغتياله وهدده وتوعده، مشيرا الى أن الحكومة العراقية قادرة على الحاق الاذى به متى شاءت وبطرق مختلفة رغم وجود الحماية الدولية والبيانات الصادرة بشأنه، وقد اتصل صديق للشهيد في نفس يوم الحادة بالمؤسسة في لندن يطالبتهم بالتحرك الفوري لحمايته واخراجه من العراق مشيرا الى أن وضعه حرج وخطير جدا.
وهكذا امتدت يد الغدر والخيانة الى الشهيد، حين نصب المجرمون كمينا له على الطريق بين كربلاء والنجف، في طريق عودته من زيارة جده الامام الحسين عليه السلام، حيث سحقت سيارته شاحنة كانت تنتظره على جانب الطريق العام ليلا من دون إنارة، لكي لا يراها المقبل من الجهة المعاكسة، ثم أشعلوا النار في السيارة التي كانت تقل الشهيد ورفاقه، وأخذت سيارة أخرى تابعة لأجهزة المخابرات كانت في الانتظار سائق الشاحنة ورجعوا به الى كربلاء، حسب رواية العشرات من الشهود الذين كانوا في الطريق ساعة وقوع الجريمة.
وحين توقفت سيارات الزائرين لأخماد النيران، وأخراج الركاب من داخل السيارة، كان الشهيد مصابا بنزف في رأسه، وفي لحظات تم تطويق المنطقة بقوات من الجيش والامن التي كانت بالانتظار قرب مكان الحادث، وتمت محاصرة النجف، ومنع الناس من نقل المصابين الى المستشفى بحجة الانتظار لوصول سيارة الاسعاف، وبقى الشهيد ينزف في الشارع العام من الساعة الحادية عشرة والنصف من مساء يوم الخميس وقت وقوع الحادث وحتى الرابعة من فجر يوم الجمعة.

وهكذا فجع الاسلام بابن بار، حيث فاضت روحه الطاهرة فجر يوم الجمعة ١٢ صفر ١٤١٥ هـ الموافق ٢٢ تموز (يوليو) ١٩٩٤ م، ورقد الى جنب أبيه مجاورا امام المتقين على بن ابي طالب عليه السلام.
كما منع أي من أهل الضحايا من رؤية الجثث أو الاطلاع على أسباب الوفاة في المستشفى، وقد عجّل النظام بدفن الجثث في اليوم نفسه ومن دون تشييع أو أية مراسيم معروفة وكانت الفاجعة التي أودت بحياة العلامة الشهيد السيد محمد تقي الخوئي، وقعت في أيام الذكرى السنوية الثانية لرحيل الامام الأب، رضوان الله تعالى عليهما.
وكان مع الفقيد وقت وقوع الحادث، صهره ورفيق دربه العلامة الشهيد محمد أمين الخلخالي وطفله محمد الخلخالي الذي كان يبلغ من العمر ست سنوات، حيث استشهدوا جميعا كما استشهد معهم سائقه الوفي مناف عسكور (ابو حوراء) الذي كان يعاني بدوره من المضايقات المستمرة من قبل النظام.
وقد خلّف الشهيد زوجته العلوية كريمة آية الله السيد محمدرضا الخلخالي (فرّج الله تعالى عنه) وخمسة من العيال ولدين هما السيد جواد الخوئي والسيد علي الخوئي وثلاث بنات، فرحم الله فقيدنا الشهيد ورفاق دربه الذين نحتسبهم بعين الله تعالى قرابين للعقيدة والمبدأ، إنه نعم المولى ونعم النصير وإنا لله وإنا اليه راجعون. 

 

البوم صور السيد محمد تقي الخوئي

نماذج من تدريس الشهيد

الدرس الاول - الدرس الثاني - الدرس الثالث